الصحابة هم الذين نقلوا السنة النبوية بل حتى القرآن الكريم. فالأمانة الكبرى التي أرسلها الله المؤمن والمهيمن بوساطة جبريل الأمين إلى أفضل الخلق قاطبة وأكثرهم أمناً.. إلى الأمين محمد صلى الله عليه و سلم.. ثم كان الصحابة هم الذين نقلوا إلينا هذه الأمانة الكبرى كما هي تماماً. لذا، نرى القرآن الكريم والسنة النبوية تتحدثان عنهم بكل ثناء، [1] بل مدحهم وأثنى عليهم بالإنجيل والتوراة كذلك. [2]
عاشوا حياة مستقيمة، لم يكونوا مثال البطولة في بدر ومؤتة واليرموك فقط، بل كانوا في كل صفحة من صفحات حياتهم مثالاً يحتذى، إذ نظموا حياتهم وعيروها لحساب الدار الآخرة، وكانت كل خطوة من خطواتهم في سبيل نيل الرضا الإلهي. وعن طريق هؤلاء الذين ضربوا المثل الأعلى في الطهر والاستقامة وصلت إلينا السنة النبوية، لذا كان علينا أن نتطرق إلى الصحابة قليلاً، ثم إلى التابعين العظام الذين تبعوهم بأحسان.
1- الصحابة وطبقات الصحابة
يُعد الحافظ ابن حجر أفضل من قدم تعريفاً للصحابة ولمن نستطيع إطلاق كلمة الصحابة. فالصحابي حسب تعريفه هو الشخص المؤمن الذي رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ونال صحبته ولو قليلاً واستمع إليه ومات على الإيمان وعلى العهد.[3]
ومع أن هناك من اشترط للصحابي صحبة الرسول صلى الله عليه و سلم مدة عام أو عامين، إلا أن جمهور العلماء متفقون على أن من لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم وتسنى له صحبته ولو قليلاً، واستفاد من ذلك الجو الروحاني ومات على الإيمان وعلى العهد فهو صحابي. أما الكافر فلو رأى الرسول صلى الله عليه و سلم، ألف مرة فلا يُعد صحابياً.
لا شك أن الصحابة ليسوا سواء، فهناك طبقات لهم، إذ لا يمكن أن يوضع في الكفة نفسها من آمن به وصحبه منذ البداية وجاهد معه، ومن آمن به بعد الهجرة ثم من بعد الفتح، وقد تناول القرآن والسنة هذا الموضوع من هذا المنطق أيضاً. فالقرآن يتكلم عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} (التوبة: 100). ثم يتكلم عن الذين أنفقوا قبل الفتح وقاتلوا والذين أنفقوا بعده وقاتلوا وأنهما لا يستويان: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} (الحديد: 10).
ويمكن ملاحظة فرق الدرجات هذا في أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم. فمثلاً عندما قام خالد بن الوليد بمضايقة عمّار بن ياسر غضب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: «لا تؤذوا أصحابي.»[4] وعندما آذى عمر أبا بكر قطب الرسول صلى الله عليه و سلم حاجبيه وقال لعمر: «هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقتَ.»[5]
وأفضل من صنف الصحابة هو الحاكم النيسابوري صاحب كتاب المستدرك، فهو يرى أن الصحابة ينقسمون إلى اثنتي عشرة درجة: